تعيش مهنة الأخصائي النفسي في المغرب منذ سنوات طويلة في منطقة رمادية قانونيا، بين ضرورة ملحة للتنظيم، وواقعٍ مهني يفتقر إلى الاعتراف الرسمي والإطار التشريعي الواضح. فبرغم الدور الحيوي الذي يلعبه الأخصائيون النفسيون في دعم الأفراد والمجتمع، ما يزال غياب القانون المنظم للمهنة يشكل عائقا أمام ممارسة قانونية آمنة ومؤسساتية.
وفي هذا السياق، أعلن وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي عن قرب اعتماد إطار قانوني شامل ينظم مهنة الأخصائي النفسي، في خطوة تعد تاريخية ضمن “خريطة الطريق الوطنية للصحة النفسية في أفق 2030”، التي تهدف إلى تعزيز التكفل بالأمراض النفسية والعقلية وتوسيع العرض العلاجي بالمغرب.
1. واقع المهنة في ظل غياب الإطار القانوني
رغم توفر المغرب على كفاءات أكاديمية عالية في ميدان علم النفس الإكلينيكي والمرضي، يظل خريجو إجازة التميز في علم النفس الإكلينيكي والمرضي والماستر في نفس التخصص محرومين من حقهم في الممارسة الحرة، بسبب غياب قانون يحدد شروط الترخيص والمزاولة. هذا الفراغ القانوني أدى إلى:
انتشار ممارسات غير منظمة،
غياب هيئة مهنية تؤطر المهنة وتحمي الممارسين،
وتداخل بين مهام الطبيب النفسي والأخصائي النفسي، مما يخلق لبسا لدى المواطنين والمرضى على حد سواء.
وقد نبهت عدة جمعيات مهنية، منها الجمعية المغربية للأخصائيين النفسيين الإكلينيكيين (SMPC)، إلى خطورة هذا الوضع، ودعت إلى ضرورة إحداث هيئة وطنية تشرف على تسجيل الأخصائيين ومراقبة التكوين والممارسة.
2. تصريحات وزير الصحة أمين التهراوي
الوزير تهراوي، خلال جلسة الأسئلة الشفوية ليوم الاثنين 27 أكتوبر بمجلس النواب، دق ناقوس الخطر بشأن وضع الصحة النفسية في المغرب، التي لا تزال تمثل الحلقة الأضعف في المنظومة الصحية الوطنية. وقال: "لا نملك اليوم سوى 1.7 طبيب نفسي لكل 100 ألف نسمة، في حين توصي منظمة الصحة العالمية بعشرة أطباء على الأقل"، معتبرا أن هذا النقص يعكس اختلالا هيكليا لا يقتصر فقط على الموارد، بل يشمل التكوين والتخطيط والتأطير في مجال المهن المرتبطة بالصحة النفسية.
ولمعالجة هذا الوضع، أكد الوزير أن الوزارة تعمل على خارطة طريق وطنية للصحة النفسية، أوشكت على الانتهاء، وسيتم تنفيذها في أفق 2030.
وتقوم هذه الاستراتيجية، التي تم إعدادها بالتشاور مع مختلف الفاعلين المؤسساتيين والمهنيين في الميدان، على مجموعة من المحاور الأساسية، من بينها:
تعزيز التكوين والتوظيف في مجال الصحة النفسية،
إحداث إطار قانوني ينظم مهنة الأخصائيين النفسيين،
تطوير بيئة مهنية تتيح تنسيقا فعالا بين الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين ومؤسسات الرعاية القريبة من المواطنين.
وشدد الوزير على ضرورة تأطير ممارسة الأخصائيين النفسيين الذين يشتغلون حاليا من دون وضع قانوني واضح، رغم أنهم يشكلون عنصرا أساسيا في التكفل بالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية. وقال في هذا الصدد: "نريد أن نوفر لهم إطار عمل قانونيا ومعترفا به، حتى يتمكنوا من المساهمة بفعالية في تقليص العجز في خدمات الرعاية النفسية."
وأشار تهراوي إلى أن هذا الورش لا يقتصر على إصلاح قانوني فحسب، بل يسعى إلى تحديث المقاربة الوطنية للصحة النفسية التي ظلت لسنوات تعاني من الوصم الاجتماعي وضعف التنسيق بين المتدخلين.
واعتبر الوزير أن الأمر يتعلق بـ "تغيير في النموذج المعتمد"، يهدف إلى وضع الصحة النفسية في نفس مستوى أولوية الصحة الجسدية، وضمان حصول كل مواطن على دعم نفسي كريم وآمن ومتاح للجميع. (جريدة “لو ماتان” – 28 أكتوبر 2025)
3. مشروع القانون المنتظر وأهم مضامينه
مشروع القانون الذي يناقش حاليا أمام البرلمان المغربي ينص على:
تنظيم استعمال لقب “الأخصائي النفسي” أو “psychologue clinicien”،
إحداث هيئة وطنية للأخصائيين النفسيين تتولى التسجيل والمراقبة،
تحديد شروط التكوين، والخبرة الميدانية، والتزامات الممارسين،
وضمان احترام الأخلاقيات المهنية في الممارسة النفسية.
ويرى مراقبون أن هذا القانون، عند المصادقة عليه، سينهي سنوات من الغموض القانوني، وسيسمح بتطوير منظومة الصحة النفسية في المغرب بما يتماشى مع المعايير الدولية.
في الختام، إن قرب اعتماد الإطار القانوني لمهنة الأخصائي النفسي يشكل منعطفا تاريخيا في مسار الصحة النفسية بالمغرب. فبعد سنوات من المطالبة بالتنظيم والاعتراف، تلوح في الأفق خطوة جادة نحو إرساء ممارسة مهنية مسؤولة ومحمية قانونيا، تعيد الثقة للمهنيين والمواطنين على حد سواء. ويبقى الأمل أن تترجم هذه الوعود إلى واقع ملموس عبر نصوص تنفيذية فعالة، تضمن تكوينا متينا، وترخيصا واضحا، وممارسة أخلاقية تضع الإنسان في صميم الاهتمام النفسي.
Santé mentale : un cadre légal pour les psychologues sera bientôt adopté (Tehraoui)